لأن المقصود حاصل بالواحدة مع إفهام التعبير بها الجنس السافل للكل، وذلك من الوحي والأمطار والحر والبرد وغيرهما من الأعيان والمنافع التي يوجدها سبحانه من مقادير أعمار بني آدم وأرزاقهم وغيرها من جميع شؤونهم ﴿وما يعرج﴾ أي يصعد ويرتقي ويغيب ﴿فيها﴾ كالأبخرة والأنوار والكواكب والأعمال وغيرها.
ولما كان من يتسع ملكه يغيب عنه علم بعضه لبعده عنه، عرف أنه لا مسافة أصلاً بينه وبين شيء من الأشياء فقال: ﴿وهو معكم﴾ أي أيها الثقلان المحتاجان إلى التهذيب بالعلم والقدرة المسببين عن القرب ﴿أين ما كنتم﴾ فهو عالم بجميع أموركم وقادر عليكم تعالياً عن اتصال بالعلم ومماسة، أو انفصال عنه بغيبة أو مسافة، قال أبو العباس ابن تيمية في كتابه الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان: لفظ «مع» لا يقتضي في لغة العرب أن يكون أحد الشيئين مختلطاً بالآخر لقوله
﴿اتقوا الله وكونوا مع الصادقين﴾ [التوبة: ١١٩] وقوله: ﴿محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار﴾ ولفظ «مع» جاءت في القرآن عامة وخاصة، فالعامة ﴿ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم﴾ [المجادلة: ٧] فافتتح الكلام بالعلم واختتمه بالعلم، ولهذا قال ابن عباس رضي الله عنهما والضحاك


الصفحة التالية
Icon