أخذها تزوداً ونظرها اعتباراً وتعبداً، فهو آخره لا دنيا، وقد تحرر أن مثل الغيث المذكور الحطام وتارة يعقبه نكد لازم وأخرى سرور دائم، فمن عمل في ذلك عمل الحزمة فحرس الزرع ما يؤذيه وحصده في وقته وعمل فيه ما ينبغي ولم ينس حق الله فيه سره أثره وحمدت عاقبته، ومن أهمل ذلك أعقبه الأسف، وذلك هو مثل الدنيا: من عمل فيها بأمر الله أعقبته حطاميتها سروراً دائماً، ومن أهمل ذلك أورثته حزناً لازماً، وكما كان التقدير: فما الآخرة لمن سعى لها سعيها وهو مؤمن إلا حق مشهور وسعي مشكور، عطف عليه قوله: ﴿وما الحياة الدنيا﴾ أي لكونها تشغل بزينتها مع أنها زائلة ﴿إلا متاع الغرور *﴾ أي لهو في نفسه غرور لا حقيقة له إلا ذلك، لأنه لا يجوز لمن أقبل على التمتع إلا ذلك لأنه لا يسر بقدر ما يضر.
ولما بين أن الدنيا خيال ومحال ليصرف الكملة من العباد عنها لسفولها وحقارتها، وأن الآخرة بقاء وكمال ليرغبوا غاية الرغبة فيها وليشتاقوا كل الاشتياق لكمالها وشرفها وجلالها، أنتج ذلك قوله تعالى: ﴿سابقوا﴾ أي افعلوا في السعي لها بالأعمال الصالحة حق السعي فعل


الصفحة التالية
Icon