والمتحرك بقوله: ﴿في الأرض﴾ أي من منابتها ومياهها ونحو ذلك ﴿ولا في أنفسكم﴾ أي بموت ومرض وعين وعرض ﴿إلا﴾ هي كائنة ﴿في كتاب﴾ أي مكتوب لأنه مقدر مفروغ من القدم، وبين أن الكتابة حدثت بعد أن كان هو سبحانه ولا شيء معه بإدخال الجارّ فقال: ﴿من قبل أن نبرأها﴾ أي نخلق ونوجد ونقدر المصيبة والأرض والأنفس، وهذا دليل على أن اكتساب العباد يجعله سبحانه وتقديره.
ولما كان ذلك متعذراً على المخلوق فهو أشد شيء تكرهاً له وقوفاً مع الوهم قال مؤكداً: ﴿إن ذلك﴾ أي الأمر الجليل وهو علمه بالشيء وكتبه له على تفاصيله قبل كونه، ثم سوقه النفوس والأسباب إلى إخراجه بعد التكوين على مقدار ما سبق علمه به وكتبه له ﴿على الله﴾ أي على ما له من الإحاطة بالكمال ﴿يسير *﴾ لأن علمه محيط بكل شيء وقدرته شاملة لا يعجزها شيء.
ولما بين هذا الأمر العظيم الدال على ما له سبحانه من الكبرياء والعظمة، بين ثمرة أعماله بقوله: ﴿لكيلا﴾ أي أعملناكم بأن على ما لنا من العظمة قد فرغنا من التقدير، فلا يتصور فيه تقديم ولا تأخير ولا تبديل ولا تغيير، لأن الحزن لا يدفعه، ولا السرور يجلبه ويجمعه، كما قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يا معاذ ليقلّ همك ما قدر يكن» لأجل أن لا ﴿تأسوا﴾ أي تحزنوا حزناً كبيراً زائداً ﴿على﴾ ما في أصل الجبلة، يوصل إلى المبلغ بتعاطي أسبابه والتمادي فيها ليتأثر عنها


الصفحة التالية
Icon