فيكونون كمن دخل غيراناً وكهوفاً وأسراباً ثم يخرجون منها فيرجعون إلى الضياء، فكانت غلطاتهم تارة كباراً وتارة صغاراً، وأما قوم عيسى عليه السلام فكانوا كمن هو في الظهيرة في شدة الضياء فالغلط منه لا يكون إلا عن عمى عظيم، فلذلك كان غلطهم أفظع الغلط وأفحشه - والله الموفق - ﴿وإن﴾ أي ولتعلموا أن ﴿الفضل﴾ أي الذي لا يحتاج إليه من هو عنده ﴿بيد الله﴾ أي الذي له الأمر كله ﴿يؤتيه من يشاء﴾ منهم أو من غيرهم نبوة كانت أو غيرها.
ولما كان ربما ظن ظان أنه لا يخص به إلا لأنه لا يسع جميع الناس دفع ذلك بقوله: ﴿والله﴾ أي الذي أحاط بجميع صفات الكمال ﴿ذو الفضل العظيم *﴾ أي مالكه ملكاً لا ينفك عنه ولا ملك لأحد فيه معه ولا تصرف بوجه أصلاً، فلذلك يخص من يشاء بما يشاء، فلا يقدر أحد على اعتراض بوجه، فقد نزه له التنزيه الأعظم جميع ما في السماوات والأرض فهو العزيز الحكيم الذي لا عزيز غيره ولا حكيم سواه، فقد انطبق كما ترى آخرها على أولها، ورجع مفصلها على موصلها - والله الهادي للصواب وإليه المرجع والمآب.


الصفحة التالية
Icon