ولما نزه نفسه الأقدس دل على ذلك التنزه على العزة والحكمة بدليل شهودي من أنه أنفذ ما كتب من أنه يغلب هو ورسله ومن أنه كبت الذين حادوه وخيب ظن الذين نافقوا، فتولوا اليهود من أهل الكتاب ليعتزوا بهم، فأذل اليهود وطردهم من مهبط الوحي وأخزى المنافقين الذين جعلوهم محط اعتمادهم وموضع ولايتهم وودادهم، فقال: ﴿هو﴾ أي وحده من غير إيجاف خيل ولا ركاب ﴿الذي أخرج﴾ على وجه القهر ﴿الذين كفروا﴾ أي ستروا ما في كتبهم من الشواهد التي تشهد لمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأنه النبي الخاتم وما في فطرهم الأولى من أن اتباع الحق أحق، وقبح عليهم كفرهم بقوله موضع ﴿من بني النضير﴾ أو ﴿اليهود﴾ مثلاً: ﴿من أهل الكتاب﴾ أي الذي أنزله الله على رسوله موسى صلى الله على نبينا وعليه وسلم، وفي التعبير ب ﴿كفروا﴾ إشعار بأنهم الذين أزالوا بالتبديل أو الإخفاء ما قدروا عليه مما بقي من التوراة دالاًّ على نبوة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ولما كان الوطن عديل الروح لأنه للبدن كالبدن للروح، فكان الخروج منه في غاية العسر، دل على مزيد قهرهم به بأن قال: ﴿من ديارهم﴾ ولما كان كان منهم من جلا من المدينة الشريفة إلى خيبر، وهم آل أبي الحقيق وآل حيي بن أخطب ولحق سائرهم بأريحا من