إلى الحاجة وإن أخبر بها عن نفسه في وقت ما لغرض قال: ﴿حاجة﴾ موقعاً اسم السبب على المسبب ﴿مما أوتوا﴾ أي المهاجرون من الفيء وغيره من أموال بني النضير وغيرهم من أي مؤت كان فكيف إذا كان المؤتي هو الله ورسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإذا لم يجدوا حاجة تدعوهم إلى الطلب فلأن لا يجدوا حسداً ولا غيظاً من باب الأولى، فهذه الآية من أعظم حاث على حسن الإخاء محذر من الحسد والاستياء. ولما أخبر عن تخليهم عن الرذائل أتبعه الإخبار بتحليهم بالفضائل فقال: ﴿ويؤثرون﴾ عظم ذلك بقصر الفعل فصار المعنى: يوقعون الأثرة وهي اختيار الأشياء الحسنة لغيرهم تخصيصاً لهم بها لا على أحبائهم مثلاً بل ﴿على أنفسهم﴾ فيبذلون لغيرهم ﴿كائناً﴾ من كان ما في أيديهم، وذكر النفس دليل على أنهم في غاية النزاهة من الرذائل لأن النفس إذا ظهرت كان القلب أطهر، وأكد ذلك بقوله: ﴿ولو كان﴾ أي كوناً هو في غاية المكنة ﴿بهم﴾ أي خاصة لا بالمؤثر ﴿خصاصة﴾ أي فقر وخلل في الأحوال وحاجة شديدة تحيط بهم من كل جانب، من خصائص البناء وهي فرجه.
ولما كان التقدير: فمن كان كذلك فهو من الصادقين: عطف عليه قوله: ﴿ومن﴾ ولما كان المقصود النزاهة عن الرذيلة من أي جهة كانت، وكان علاج الرذائل صعباً جداً، لا يطيقه الإنسان


الصفحة التالية
Icon