رضي الله عنهما: القوس الذراع بلغة أزدشنوءة، وقال ابن برجان: قاب القوسين: ما بين السيين، وقيل: ما بين القبضة والوتر ﴿أو أدنى *﴾ بمعنى أن الناظر منكم لو رآه لتردد وقال ذلك لشدة ما يرى له من القرب منه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، روى مسلم في الإيمان من صحيحه عن الشيباني قال: «سألت زر بن حبيش عن قوله تعالى ﴿فكان قاب قوسين﴾ فقال: أخبرني ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى جبرائيل عليه السلام له ستمائة جناح» ﴿فأوحى﴾ أي ألقى سراً من كلام الله بسبب هذا القرب، وعقبه بقوله: ﴿إلى عبده﴾ أي عبد الله، وإضماره من غير تقدم ذكره صريحاً لما هو معلوم مما تقدم في آخر الشورى أن كلام الله يكون وحياً بواسطة رسول يوحي بإذنه سبحانه، والمقام يناسب الإضمار لأن الكلام هو الوحي الخفي، وعبر بالبعد إشارة إلى أنه لم يكن أحد ليستحق هذا الأمر العظيم غيره لأنه لم يتعبد قط لأحد غير الله، وكل من عاداه حصل منهم تعبد لغيره في الجملة، فكان أحق الخلق بهذا الوصف مع أنه كان يتعبد لله في غار حراء وغيره، وهذه النزلة - والله أعلم - كانت على هذا التقدير في أول الوحي لما كان بحراء وفرق منه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرجع ترجف بوادره، وقال: زملوني زملوني. وأشار إلى عظمة ما أنزل بقوله: ﴿ما أوحى *﴾ أي إنه يجل عن الوصف فأجمل له ما فصل له بعد ذلك، هذا الذي ذكر من تفسير لضمائر مظاهر العبارة وإن كان الإضمار في جميع الأفعال لا يخلو عن التباس


الصفحة التالية
Icon