لا مصور في الحقيقة إلا الله الخالق البارئ المصور سبحانه، قال الرازي في اللوامع: والتصوير موجود في كل أجزاء العالم وإن صغر حتى في الذرة والنملة بل في كل عضو من أعضاء النملة، بل الكلام يطول في طبقات العين وعددها وهيئاتها وشكلها ومقاديرها وألوانها، ووجه الحكمة فيها، فمن لم يعرف صورتها لم يعرف مصورها إلا بالاسم المجمل، وهكذا القول في كل صورة لكل حيوان ونبات بل لكل جزء من نبات وحيوان.
ولما علم من هذا أنه لا بد أن يكون المصور بالغ الحكمة، أردفه بقوله تعالى: ﴿له﴾ أي خاصة لا لغيره ﴿الأسماء الحسنى﴾ أي من الحكيم وغيره ممن لا يتم التصوير إلا به ولا تدركونه أنتم حق إدراكه.
ولما أخبر سبحانه أول السورة أن الكائنات أوجدت تسبيحه خضوعاً لعزته وحكمته، ودل على ذلك بما تقدم إلى أن أسمعه الآذان الواعية بالأسماء الحسنى، دل على دوام اتصافه بذلك من يحتاج لما له من النقص من الخلق إلى التذكير فعبر بالمضارع فقال: ﴿يسبح﴾ أي يكرر التنزيه الأعظم من كل شائبة نقص على سبيل التجدد والاستمرار ﴿له﴾ أي على وجه التخصيص بما أفهمه قصر المتعدي وتعديته باللام ﴿ما في السماوات﴾ ولما كان هذا المنزه الذي استجلى التنزيه من الأسماء الحسنى قد أشرقت أنفاسه ولطفت أقطاره


الصفحة التالية
Icon