تقديم الجار في مثل هذا للتنبه على مزيد الاعتناء بعلم ذلك لا على الاختصاص ولا لأجل الفواصل.
ولما أبلغ سبحانه في وعظهم في ذلك، وكانت عادته التربية بالماضين، كان موضع توقع ذلك فقال معبراً بأداة التوقع: ﴿قد كانت﴾ أي وجدت وجوداً تاماً، وكان تأنيث الفعل إشارة إلى الرضا بها ولو كانت على أدنى الوجوه ﴿لكم﴾ أي أيها المؤمنون ﴿أسوة﴾ أي موضع اقتداء وتأسية وتسنن وتشرع وطريقة مرضية ﴿حسنة﴾ يرغب فيها ﴿في إبراهيم﴾ أي في قول أبي الأنبياء ﴿والذين معه﴾ أي ممن كانوا قبله من الأنبياء، قال القشيري: وممن آمن به في زمانه كابن أخيه لوط عليهما الصلاة والسلام وهم قدوة أهل الجهاد والهجرة ﴿إذ﴾ أي حين ﴿قالوا﴾ وقد كان من آمن به أقل منكم وأضعف ﴿لقومهم﴾ الكفرة، وقد كانوا أكثر من عدوكم وأقوى وكان لهم فيهم أرحام وقرابات ولهم فيهم رجاء بالقيام والمحاولات.
ولما كان ما ذكر من ضعفهم وقوة قومهم مبعداً لأن يبارزوهم، أكدوا قولهم فقالوا: ﴿إنا﴾ أي من غير وقفة ولا شك ﴿برءاء﴾ أي متبرئون تبرئة عظيمة ﴿منكم﴾ وإن كنتم أقرب الناس إلينا ولا ناصر لنا منهم غيركم. ولما تبرؤوا منهم أتبعوه ما هو أعظم عندهم منهم وهو سبب العداوة فقالوا: ﴿ومما تعبدون﴾ أي توجدون عبادته في وقت


الصفحة التالية
Icon