أي في وقت من الأوقات في أمر هذه الأوثان بغاية جهدهم من أنها آلهة، وأنها تشفع لهم أو تقربهم من الله ﴿إلا الظن﴾ أي غاية أمرهم لمن يحسن الظن بهم، فالظن ترجيح أحد الجائزين على رغم الظان.
ولما كان الظن قد يكون موافقاً للحق مخالفاً للهوى قال: ﴿وما تهوى الأنفس﴾ أي تشتهي، وهي - لما لها من النقص - لا تشتهي أبداً إلا بما يهوي بها عن غاية أوجها إلى أسفل حضيضها، وأما المعالي وحسن العواقب فإنما تشوق إليها العقل، قال القشيري: فالظن الجميل بالله فليس من هذا الباب، والتباس عواقب الشخص عليه ليس من هذه الجملة بسبيل، إنما الظن المعلول في الله وصفاته وأحكامه. ﴿ولقد﴾ أي العجب أنهم يفعلون ذلك والحال أنه قد ﴿جاءهم من ربهم﴾ أي المحسن إليهم ﴿الهدى *﴾ أي الكامل في بابه إلى الدين الحق الناطق بالكتاب الناطق بالصواب على لسان الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والرأي يقتضي أن من رأى الهدى تبعه ولو أتاه به عدوه، فكيف إذا أتاه به من هو أفضل منه من عند من إحسانه لم ينقطع عنه قط.
ولما كان التقدير: أعليهم أن يتركوا أهويتهم ويهتدوا بهدى ربهم الذي لا ملك لهم معه ﴿أم﴾ لهم ما تمنوا - هكذا كان الأصل، ولكنه ذكر الأصل الموجب لاتباع الهوى فقال: ﴿للإنسان﴾ أي الآنس بنفسه المحسن لكل ما يأتي وما يذر ﴿ما تمنى *﴾ أي من اتباع ما يشتهي من جاه ومال وطول عمر ورفاهية عيش ومن كفره وعناده، وقوله ﴿لئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى﴾ [