ثم لا يعاوده، قال: فذكرت ذلك لابن عباس رضي الله عنهما فقال: لقد أعانك عليها ملك كريم، ثم قال البغوي: فأصل الملم والإلمام ما يعمله الإنسان الحين بعد الحين، ولا يكون له إعادة ولا إقامة عليه - انتهى - وعلى هذا يصح أن يكون الاستثناء متصلاً.
ولما كان الملوك لا يغفرون لمن تكررت ذنوبه إليهم وإن صغرت، فكان السامع يستعظم أن يغفر ملك الملوك سبحانه مثل هذا، علل ذلك بقوله: ﴿إن ربك﴾ أي المحسن إليك بإرسالك رحمة للعالمين والتخفيف عن أمتك ﴿واسع المغفرة﴾ فهو يغفر الصغائر حقاً أوجبه على نفسه ويغفر الكبائر إن شاء بخلاف غيره من الملوك فإنه لو أراد ذلك ما أمكنه اتباعه، ولو جاهد حتى تمكن من ذلك في وقت فسدت مملكته فأدى ذلك إلى زوال الملك من يده أو اختلاله.
ولما وصف الذين أحسنوا فكان ربما وقع في وهم أنه لا يعلمهم سبحانه إلا بأفعالهم، وربما قطع من عمل بمضمون الآية أنه ممن أحسن، قال نافياً لذلك: ﴿هو أعلم بكم﴾ أي بذواتكم وأحوالكم منك بأنفسكم ﴿إذ﴾ أي حين ﴿أنشاكم﴾ ابتداء ﴿من الأرض﴾ التي طبعها طبع الموت: البرد واليبس بإنشاء أبيكم آدم عليه السلام منها وتهيئتكم للتكوين بعد أن لم يكن فيكم تقوية قريبة ولا بعيدة أصلاً يميز الثواب الذي يصلح لتكونكم منه والذي لا يصلح ﴿وإذ﴾ أي حين ﴿أنتم أجنة﴾ أي مستورون.