قلبها وأتبعها حجارة النار الكبريتية وغمرها بالماء الذي لا يشبهه شيء من مياه الدنيا، ولذلك قال: ﴿أهوى *﴾ أي رفع وحط وأنزل، فكان الإنزال إهواءً حقيقياً، والرفع مجازياً لأنه سببه وهي مدن قوم لوط عليه السلام، وأشار إلى الحجارة والماء بقوله مسبباً عن الإهواء ومعقباً له: ﴿فغشاها﴾ أي أتبعها ما غطاها فكان لها بمنزلة الغشاء، وهولها بقوله: ﴿ما غشى *﴾ أي أمراً عظيماً من الحجارة وغيرها لا يسع العقول وصفه، وقد اشتمل ما ذكره سبحانه من الصحف على بيان ما ينفع من الأعمال وما يضر وبيان التوحيد باحاطة الله سبحانه بالنهايات التي لا نهاية بعدها علماً وقدرة لاختصاصه ببيان المصنوعات وببيان البعث للتخويف بالآجل وإهلاك المرتدين للتخويف بالعاجل لمن كان قلبه جافياً عن النفوذ إلى الآجل.
ولما أهلك كل واحدة من هذه الفرقة فلم يبق من فجارها أحد، وأنجى من أطاعه منهم فلم يهلك منهم أحد، وكان إهلاكه لكل منها بشيء غير ما هلك به الفريق الآخر، فدل كل من ذلك على تمام علمه وكمال قدرته، وكان كمل ما تقدم في هذه السورة من النعم والنقم لكونه كان أتم أوجه الحكم نعمة على كل مؤمن لما فيها من الترغيب في ثوابه والترهيب من عقابه، خاطب سبحانه رأس المؤمنين لأن خطابه له أشد في تذكير غيره فقال مسبباً عما مضى: ﴿فبأيّ آلاء ربك﴾ أي عطية المحسن إليك التي هي وجه الإنعام والإكرام وهي إشارة المعرفة به سبحانه بمنزلة ظل الشخص من الشخص كما أنه لايتصور ظل إلا لشخص


الصفحة التالية
Icon