أيضاً من إتلاف أمر المؤمنين وجمع كلمتهم وتآخيهم، وموقع هذا لا يخفى على أحد، وأما سورة الذاريات والطور والنجم فما تضمنته مما ذكرناه قبل أوضح شيء، وبذلك افتتحت كل سورة منها فتأمل مطالعها ففي ذلك كفاية في الغرض - والله تعالى هو أعمل بالصواب، فلما انتهى ما قصد من تقريع مكذبي رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبلغت الآي في هذه السورة من ذلك أقصى غاية، وتمحض باطلهم وانقطع دابرهم، ولم يحيروا جواباً فيما عرض عليهم سبحانه في سورة القمر من أحوال الأمم مع أنبيائهم، وكان القصد من ذلك - والله أعلم - مجرد التعريف بأنهم ذكروا فكذبوا فأخذوا ليتبين لهؤلاء أن لا فرق بينهم وبين غيرهم وأن لا يغرهم عظيم حلمه سبحانه عنهم، فهذه السورة إعذار عند تبكيتهم وانقطاع حجتهم بما تقدم وبعد أن انتهى الأمر في وعظهم وتنبيههم بكل آية إلى غاية يعجز عنها البشر، ولهذا افتتح سبحانه هذه السورة بقوله تعالى: ﴿ولقد جاءهم من الأنباء ما فيه مزدجر حكمة بالغة فما تغن النذر﴾ وختمها سبحانه بقوله: ﴿أكفاركم خير من أولائكم أم لكم براءة في الزبر﴾ وهذا يبين ما قدمنا، وكان قد قيل لهم: أي فرق بينكم وبين من تقدم حتى ترتكبوا مرتكبهم وتظنوا أنكم ستفوزون بعظيم جزائكم، فذكر سبحانه لهم قصة كل أمة وهلاكها عند تكذيبها بأعظم إيجاز وأجزل إيراد وأفخم عبارة وألطف إشارة، فبدأ بقصة قوم نوح بقوله: ﴿كذبت قوم نوح﴾ إلى قوله: ﴿ولقد تركناها آية فهل من مدكر فكيف كان عذابي ونذر﴾ ثم استمر في ذكر الأمم


الصفحة التالية
Icon