على ما وفقها إليه من الإحسان، وذلك رعاية لأسلافها إذ كانوا من أعظم الأحباب فقال: ﴿ومريم﴾ أي وضرب الله مثلاً لأهل الانفراد والعزلة من الذين آمنوا مريم ﴿ابنة عمران﴾ أي أحد الأحباب، وذكر وجه الشبه فقال: ﴿التي أحصنت فرجها﴾ أي عفت عن السوء وجميع مقدماته عفة كانت كالحصن العظيم المانع من العدو فاستمرت على بكريتها إلى الممات فتزوجها في الجنة جزاء لها بخير عبادنا محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خاتم الأنبياء وإمام المرسلين.
ولما اغتنت بأنسها بروح الله الذي بثه في قلبها من محبة الذكر والعبادة عن الأنس بأرواح الناس، كان ذلك سبباً لأن وهبها روحاً منه جسده في أكمل الصور المقدرة في ذلك الحين فقال مخبراً عن ذلك: ﴿فنفخنا﴾ أي بعظمتنا بواسطة ملكنا روح القدس.
ولما كانت هذه السورة لتشريف النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتكميل نسائه في الدنيا والآخرة، نص على المقصود بتذكير الضمير ولم يؤنثه قطعاً للسان من يقول تعنتاً: إن المراد نفخ روحها في جسدها: ﴿فيه﴾ أي فرجها الحقيقي وهو جيبها وكل جيب يسمى فرجاً، ويدل على الأول قراءة «فيها» شاذة ﴿من روحنا﴾ أي روح هو أهل لشرفه بما عظمنا من خلقه ولطف تكوينه أن يضاف إلينا لكونه خارجاً


الصفحة التالية
Icon