ولما كان لا يغفل الابتلاء منا إلا جاهل بالعواقب وعاجز عن رد المسيء عن إساءته وجعله محسناً من أول نشأته، قال نافياً لذلك عن منيع جنابه بعد أن نفاه بلطيف تدبيره وعظيم أمره في خلق الموت والحياة، ومزيلاً بوصف العزة لما قد يقوله من يكون قوي الهمة: أنا لا أحتاج إلى تعب كبير في الوصول إليه سبحانه بل أصل إليه أي وقت شئت بأيسر سعي ﴿وهو﴾ أي والحال أنه وحده ﴿العزيز﴾ أي الذي يصعب الوصول إليه جداً، من العزاز وهو المكان الوعر والذي يغلب كل شيء ولا يغلبه شيء، فلو أراد جعل الكل محسنين، ولا يكون كذلك إلا وهو تام القدرة فيلزم تمام العلم والوحدانية ووجوب الوجود أزلاً وأبداً.
ولما كان العزيز منا يهلك كل من خالفه إذا علم مخالفته، قال مبيناً إمهاله للعصاة مرغباً للمسيء في التوبة، بعد ترهيبه من الإصرار على الحوبة، لأنه قد يكون مزدرئاً لنفسه قائلاً: إن مثلي لا يصلح للخدمة لما لي من الذنوب القاطعة وأين التراب من رب الأرباب ﴿الغفور *﴾ أي أنه مع ذلك يفعل في محو الذنوب عيناً وأثراً فعل المبالغ في ذلك ويتلقى من أقبل إليه أحسن تلق كما


الصفحة التالية
Icon