من أن كل سماء بالنسبة إلى التي فوقها كحلقة ملقاة في فلاة إلى أن يوصل إلى الكرسي ثم العرش العظيم، ومن سر كونها كذلك حصول النفع بكل ما فيها من كواكب مرطبة أو ميبسة أو منورة واتصالات ممطرة ومثبتة يجري كل ذلك منها على ترتيب مطرد، ونظام غير منخرم مقدر جريه بالقسط مرتب على منافع الوجود ومصالح الكائنات كلها مكفوفة على هواء لطيف بتدبير شريف: لا يتعدى شيء منها طوره ولا يتخطى حده، ولا يرسب فيها تحته من الهواء فيهوي، ولا يرتفع عن محله بمقدار ذرة فيطفو، قد أحاط بكلها الأمر، وضبطها صاغرة القهر.
ولما كان العلم الناشىء عن الحسن أجل العلوم، دل على بديع ما ذكره بمشاهدة الحس له كذلك، فسبب عنه قوله منبهاً بالرجع الذي هو تكرير الرجوع على أن كل أحد يشاهد ذلك كذلك من حين يعقل إلى أن يبلغ حد التكليف المقتضي للمخاطبة بهذا الكلام: ﴿فارجع البصر﴾ أي بعد ترديدك له قبل ذلك، ودل بتوجيه الخطاب نحو أكمل الخلق صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في السمع والبصر والبصيره وكل معنى إلى أن ذلك لا شبهة فيه.