الناس من القوى الموجبة للطغيان، قال بعض العارفين: في الإنسان خواص تستدعي العلم بما يشوبها من الحظوظ فتنشأ منها - والعياذ بالله - المنازعة في الكبرياء والعظمة والجلال والجمال، فالقلب يستدعي التفرد بالوجود والأمر والنهي، فما من أحد إلا وهو مستبطن ما قال فرعون، ولكن لا يجد له مجالاً كما وجد فرعون، والعقل يستدعي في تدبيره وتأثيره اعتقاد أنه لو مكن من الوجود لدبره، ويرى أن تدبيره هو التدبير وإن كان أفسد الفاسد، وكذلك لا يزال يقول: لو كان كذا لكان كذا، والنفس لا تتخيل أنها من القوة والاقتدار بحيث لو أرادت أن تخرب مدناً وتبنيها فعلت، فليحذر الإنسان فإن أعدى عدوه نفسه التي هي بين جنبيه، فمهما تركها انتشرت، قال تعالى ﴿كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى﴾ [العلق: ٦ و٧] وينسى ما بعدها ﴿إن إلى ربك الرجعى﴾ [العلق: ٨] ولهذا كان بعض الأكاسرة - وكانوا أعقل الملوك - يرتب واحداً يكون وراءه بالقرب منه، يقول له إذا اجتمعت جنوده بعد كل قليل: أنت عبد، لا يزال يكرر ذلك، والملك يقول له كلما قاله: نعم: فعلى العاقل أن يطوع نفسه لأن ترجع مطمئنة بأن