وإظهار كالنم والمن والنمؤ ولأجل علوه واستبطانه وأنه استغراق المظهر المبين كانت إقامته يتعالى الألف وهو الواو وانتهاؤه إلى مثل ما بدأ به، ولكون الميم تماماً كان قوامه بمتنزل كالألف التي هي الياء في قولك ميم، ولرجوع الواو إلى علو الألف كان عمادها الألف في قولك «واو» وهذه الحروف الثلاثة ظاهرة في عالمين ظاهرهما المبدوء به وباطنهما المختوم به، فالنون الأولى يعبر بها عن نور الأبصار، والخاتمة يعبر بها عن نور القلب، ولما كان الهاء وتر الدال، وكان محيطاً باطناً غيباً وجب أن يكون محل تضعيفه بالياء محل محيط باطن نازل الرتبة في الغيب عن الهاء لوقوعه في رتب العشرات وهو النون، فكان ظاهراً بالإضافة إلى خفاء الهاء باطناً بالإضافة إلى ظهور الميم، فيكون بالنون ظهور الميم المعبر عن «الملك» الذي سبق في السورة الماضية كما كان شهادة الدال وثبوته بالهاء.
ولذلك انبنى تمام كل عمل على نور علم كما كان قوام ظاهر كل دال غير هاء، وكان النون مداداً لمثل العلم الذي يظهر صورها بسطر القلم حتى أن آية ما بطن منه فأظهره القلم هو ما بطن دون الأرض من النون الذي عليه الأرض