ولما أقسم سبحانه على نفي ما بهتوه به ودل على ما وهبه من كمال العقل وتمام الشرف والنبل تصريحاً وتلويحاً فثبت غاية الثبات بأخبار العالم الحكيم، دل عليه بالمشاهدة على وجه هو من أعلام النبوة للحكم على المستقبل فقال مسبباً عن صادق هذا الإخبار: ﴿فستبصر﴾ أي ستعلم يا أعلى الخلق وأشرفهم وأكملهم عن قريب بوعد لا خلف فيه علماً أنت في تحققه كالمبصر بالحسن الباصر ﴿ويبصرون *﴾ أي يعلم الذين رموك بالبهتان علماً هو كذلك.
ولما كان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو ومن معه فريقاً والأعداء فريقاً، وقد أبهم آخر الملك الضال في الفريقين قال: ﴿بأييكم﴾ أي في أي فريقيكم ﴿المفتون *﴾ أي بالضلال والجنون حتى صد عن الهدى ودين الحق، أو بأيكم الفتنة بالجنون وغيره على أن يكون مصدر فتن، قال الرازي: مصدر مثل المفتون وهو الجنون بلغة قريش كما يقال: ما له معقول وليس له مجلود، أي عقل وجلادة.
ولما كان هذا إخباراً بجنونهم المستلزم لضلالهم على هذا الوجه المتصف، وكان مثل هذا قد يقع في محاورات الناس بضرب من الظن، استأنف تعالى ما هو كالتعليل لما أفاده السياق من هذا الحكم


الصفحة التالية
Icon