المربي له بإحاسنه في الظلمات من بطن الحوت وظلمة ما يحيط به من الجثة وظلمة لحج البحار ﴿وهو﴾ أي والحال أنه عند ندائه ﴿مكظوم *﴾ أي مملوء كرباً وهماً وشدة وغماً محمول على السكوت ببطنه فهو لا ينطق من شدة حزنه، ومحبوس عن جميع ما يريد من التصرف إلى أن ألجأه سبحانه بذلك إلى الدعاء والتضرع، من الكظم، وهو السكوت عن امتلاء وتجرع للمرارات، ومن هذا كظمت السقاء أي شددته وملأته فكان مكظوماً، والمكظوم: المكروب - كأنه قد أخذ بكظمه وهو مخرج نفسه.
ولما تشوف السامع إلى ما كان من أمره بعد هذا الأمر العجيب قال: ﴿لولا أن﴾ وعظم الإحسان بالتذكير وصيغة التفاعل فقال: ﴿تداركه﴾ أي أدركه إدراكاً عظيماً كان كلاًّ من النعمة والمنة يريد أن تدرك الآخر ﴿نعمة﴾ أي عظيمة جداً ﴿من ربه﴾ أي الذي أرسله وأحسن إليه بإرساله وتهذيبه للرسالة والتوبة عليه والرحمة له ﴿لنبذ﴾ أي لولا هذه الحالة السنية التي أنعم الله عليه بها لطرح طرحاً هيناً جداً ﴿بالعراء﴾ أي الأرض القفر التي لا بناء فيها ولا نبات، البعيدة من الإنس حين طرح فيها كما حكم بذلك من


الصفحة التالية
Icon