الأنفس وإن كان في غاية الدقة والغموض لأن ذلك يوم الظهور التام من القبور ومن الصدور، وغير ذلك من الأمور، ليكون ذلك أجل لسعادة من سعد، وأقبح لشقاوة من شقي فأبعد، قال أبو موسى رضي الله عنه: هي ثلاث عرضات فأما عرضتان فجدال ومعاذير، وأما الثالثة فعندها تتطاير الصحف فأخذ بيمينه وأخذ بشماله.
ولما كان من المعلوم أنهم قسمان: محسن ومسيء، وكان التقدير: فنعطي كلاًّ منكم صحيفة أعماله من أفعاله وأقواله وجميع خلائقه وأحواله، فمنكم من تدفع إليه في يمينه فتظهر له حسناته وتستر عنه سيئاته، ومنكم من يعطاها في شمالها فتبدو له سيئاته ويمحي ما كان من حسناته، لأنه أوتي ثوابه في الدنيا بما عجل له من طيباته، عطف عليه مفصلاً له قوله: ﴿فأما من أوتي﴾ بناه للمفعول لأن دلالة السعادة الوقوع في اليمين لا من معط معين ﴿كتابه﴾ أي الذي أثبت فيه أعماله ﴿بيمينه فيقول﴾ لما رأى من سعادته تبجحاً بحاله وإظهاراً لنعمة ربه لأن الإنسان مطبوع على أن يظهر ما آتاه من خير تكميلاً للذته بكبت أعدائه وتفريح أوليائه، قيل: إنه تكتب سيئاته في باطن صحيفته وحسناته في ظاهرها، فيقرأ الباطن ويقرأ الناس الظاهر، فإذا أنهاه قيل له: قد غفرها الله، اقلب الصحيفة، فحينئذ يكون قوله: ﴿هاؤم﴾ أي خذوا أيها الحاضرون من الخلائق الملائكة وغيرهم، فيها صوت يفهم منه معنى: