ولما كان من شأن المعالي عسر الوصول إليه قال: ﴿قطوفها﴾ أي جمع كثرة لقطف - بالكسر وهو ما يجنى من الثمرات المجتمعة في عرق من عروقه ﴿دانية *﴾ أي قريبة المأخذ سهلة التناول جداً، لراكب والقائم والقاعد والمضطجع، كل ذلك على حد سواء دائماً من غير انقطاع ولا كلفة على أحد من أهلها في تناول شيء من ذلك.
ولما كان كون الثمار بهذه الصفة دالاً على كثرة الري، وكثرة الري دالة على المشرب، وكانت من مفردات اللفظ عامة المعنى، فكان قد أفرد الضمائر باعتبار لفظها تنصيصاً على كل فرد فرد جمع باعتبار المعنى إعلاماً باشتراك جميع أهلها في النعم حال الانفراد والاجتماع فقال: ﴿كلوا واشربوا﴾ أي مولى لهم ذلك إشارة إلى أن ذلك لا مانع منه وإلى أنهم يؤمرون به صريحاً دلالة على رضا صاحب الجنة لئلا يتنغص عليهم عيشهم بنوع من الأنواع الموهمة للخطر، وحذف المفعول إيذاناً بالتعميم لئلا يظن أنه يستثني منها شيء فيكون سبب الفتنة كما وقع لآدم صلوات الله وسلامه عليه.
ولما كان المآكل والمشارب في هذه الدار تورث التخم والأمراض وفيها ما لا يلذ، وكان ما وقع لأبينا آدم وأمنا حواء عليهما