من ذكر العمل وذكر جزائه، بل استمريت جاهلاً لذلك كما كنت في الدنيا. ولما تمنى هذين الشيئين، استأنف مراده بهما فقال لأنه رأى أن ما يستقبله شر مما كان فيه من البرزخ: ﴿يا ليتها﴾ أي الموتة التي منها ﴿كانت القاضية *﴾ أي الباتة الجازمة الملزمة لدوام الموت الخاتمة عليها حتى لا يكون بعدها بعث ولا شيء غير الموت كما كنت أعتقد في الدنيا؛ قال الإمام الرازي: وفي الحديث «تمنوا الموت» أي إذ ذاك ولم يكن في الدنيا شيء أكره منه عندهم.
ولما كان التمني مفهماً لأنه كان له ضد ما تمناه من البعث على ما كانت تخبره به الرسل ومن الحساب الذي هو سر البعث وخالصه، وقد كان يقول: إنه يتخلص منه، على تقدير كونه، بماله وجاهه قال معللاً لتمنيه: ﴿ما أغنى﴾ نافياً تأسفاً على فوات ما كان يرجو من نفعه، والمفعول على هذا التقدير محذوف للتعميم، أو مستفهماً استفهام إنكار على نفسه وتوبيخ حيث سولت له ما أثمر له كل سوء وكل محال منازعة للفطرة الأولى المؤيدة بما أخبرت به الرسل حتى أوقعه ذلك التسويل في الهلكة ﴿عني ماليه *﴾ أي الذي منعت منه حق الله وتعظمت به على عباده. وهذا النفي للإغناء سائغ مفهوم على كل من تقريري النفي والاستفهام.