وذلك أنه علم أنهم إن أطاعوا نوحاً عليه السلام كان موتهم على العادة وإلا هلكوا هلاك نفسه واحدة، وعلم أنهم لا يطيعونه، وأن موتهم إنما يكون بعذاب الاستئصال.
ولما كان الإنسان مجبولاً على الأطماع الفارغة، فكان ربما قال للتعنت أو غيره: لم لا يخلدنا؟ قال فطماً عن ذلك مؤكداً لاقتضاء المقام له: ﴿إن أجل الله﴾ أي الذي له الكمال كله فلا راد لأمره ﴿إذا جاء لا يؤخر﴾ وأما قبل مجيئه فربما يقع الدعاء والطاعات والبر في البركة فيه يمنع الشواغل وإطابة الحياة، فبادروا مجيء الأجل بالإيمان لأنه إذا جاء لم يمكنكم التدارك، ولا ينفعكم بعد العيان الإيمان.
ولما كان من يعلم هذا يقيناً، ويعلم أنه إذا كشف له عند الغرغرة أحب أن يؤخر ليتوب حين لا تأخير، أحسن العمل خوفاً من فوات وقته وتحتم مقته، نبه على ذلك بقوله: ﴿لو كنتم تعلمون *﴾ أي لو كان العلم أو تجدده وقتاً ما في غرائزكم لعلمتم تنبيه رسولكم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن الله يفعل ما يشاء، وأن الأجل آت لا محالة فعملتم للنجاة، ولكنكم تعملون في الانهماك في الشهوات عمل الشاك في الموت.
ولما كان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أطول الأنبياء عمراً، وكان