ولما فرغ من أمرهم في ضلالهم، ودعا رسولهم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلم يبق إلا إهلاكهم. وكان من مفهومات الضلال المحق وإذهاب العين كما يضل الماء في اللبن، قال مبيناً، إجابته لدعائه ذاكراً الجهة التي أهلكوا بسببها: وأكد ب «ما» النافية في الصورة لضد مضمون الكلام لاعتقاد الكفار أن الإنجاء والإهلاك عادة الدهر: ﴿مما﴾.
ولما كان الكافر قد أخطأ ثلاث مرات: يكفره في الإيمان بالطاغوت، وتكذيب ربه، وتكذيب رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكان ذلك كافياً في استحقاقه للأخذ قال: ﴿خطيئاتهم﴾ جامعاً له جمع السلامة - في قراءة الجماعة، وأفهمت قراءة أبي عمرو بجمع التكسير أن لهم مع هذه الأمهات الكافية في الأخذ من الذنوب ما يفوت الحصر يوجب تغليظ ذلك الأخذ، فهي مشيرة إلى أنه ينبغي الاحتراز من كل الذنب.
ولما كان الموجع إغراقهم لا كونه من معين، قال مخبراً عما فعل بهم في الدنيا: ﴿أغرقوا﴾ أي بالطوفان بانياً له للمفعول لذلك وللإعلام بأنه في غاية السهولة على الفاعل المختار الواحد القهار، فطاف الماء عليهم جميع الأرض السهل والجبل، فلم يبق منهم أحداً، وكذا الكلام فيما تسبب عنه وتعقبه من قوله: ﴿فأدخلوا﴾ أي بقهر القهار