ولما كانت الشهادة الإخبار عن علم اليقين لأنها من الشهود وهو كمال الحضور وتمام الاطلاع ومواطأة القلوب للألسنة، صدق سبحانه المشهود به وكذبهم في الإقسام بالشهادة ومواطأة ألسنتهم لقلوبهم فقال: ﴿والله يعلم﴾ أي وعلمه هو العلم في الحقيقة، وأكده سبحانه بحسب إنكار المنافقين فقال: ﴿إنك لرسوله﴾ سواء شهد المنافقون بذلك أم لم يشهدوا، فالشهادة بذلك حق ممن يطابق لسانه قلبه، وتوسط هذا بين شهادتهم وتكذيبهم لئلا يتوهم أن ما تضمنته شهادتهم من الرسالة كذب.
ولما كان ربما ظن أن هذا تأكيد لكلام المنافقين، دل على أنه تحقيق لمضمون كلامهم دون شهادتهم فقال: ﴿والله﴾ أي المحيط بجميع صفات الكمال ﴿يشهد﴾ شهادة هي الشهادة لأنها محيطة بدقائق الظاهر والباطن ﴿أن المنافقين﴾ أي الراسخين في وصف النفاق ﴿لكاذبون *﴾ أي في إخبارهم عن أنفسهم أنهم يشهدون لأن قلوبهم لا تطابق ألسنتهم فهم لا يعتقدون ذلك، ومن شرط قول الحق أن يتصل ظاهره باطنه وسره بعلانيته، ومتى تخالف ذلك فهو كذب، لا المراد أنهم كاذبون في صحة ما تضمنته شهادتهم من أنك رسول الله


الصفحة التالية
Icon