بهم وأنهم قد كانوا في الجاهلية موصوفين بجودة الرأي وحسن النظر
﴿وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم﴾ [المنافقين: ٤] ﴿ولكن المنافقين لا يفقهون﴾ [المنافقين: ٧] قلت: وقد مر في الخطبة ما رويناه في مصنف ابن أبي شيبة من قول أناس من المؤمنين: كان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرأ في الجمعة بسورة الجمعة والمنافقين فيبشر بها المؤمنين ويحرضهم، وأما سورة المنافقين فيوئس بها المنافقين ويوبخهم، وهذا نحو ما ذكرناه أولاً - انتهى.
ولما كان المعنى أنهم لم يعتقدوا ما شهدوا به، وكان كأنه قيل: فما الحامل لهم على هذا الكلام المؤكد والكذب في غاية القباحة لا سيما عند العرب، علله بقوله مسمياً شهادتهم إيماناً لأن الشهادة تجري مجرى القسم في إرادة التوكيد، ولذلك يتلقى بما يتلقى به القسم: ﴿اتخذوا﴾ أي أخذو بجهدهم ﴿أيمانهم﴾ أي كلها من شهادتهم هذه المجتهد في توكيدها وكل يمين سواها ﴿جنة﴾ أي وقاية تقيهم المكاره الدنيوية ويستترون بها منها فيصونون بها دماءهم وأموالهم، فاستضاؤوا بنور الإجابة فلم ينبسط عليهم شعاع نور السعادة فانطفأ نورهم بقهر الحرمان، وبقوا في ظلمات القسمة السابقة بحكم الخذلان ﴿فصدوا﴾ أي فسبب لهم اتخاذهم هذا أن أعرضوا بأنفسهم مع سوء البواطن


الصفحة التالية
Icon