أو أيها الرائي كائناً من كان بعين البصر ﴿تعجبك أجسامهم﴾ لضخامتها وصباحتها، فإن غايتهم كلها بصلاح ظواهرهم وترفيه أنفسهم، فهم أشباح وقوالب ليس وراءها ألباب وحقائق، قال ابن عباس رضي الله عنهما: كان ابن أبي - يعني - الذي نزلت السورة بسببه - جسيماً فصيحاً صحيحاً ذلق اللسان، وقوم من المنافقين في مثل صفته وهم رؤساء المدينة، وكانوا يحضرون مجلس رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويستندون فيه ولهم جهارة المناظر وفصاحة الألسن، وكان رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومن حضر يعجبون بهياكلهم. ولما وصف البواطن والظواهر، وكان قولهم: المرء بأصغريه قلبه ولسانه مشروطاً كما هو ظاهر العبارة بمطابقة اللسان للقلب، قال معبراً بأداة الشك إشارة إلى أنهم لا يكلمونه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا اضطراراً لأنهم لا يحبون مكالمته ولا باعث لهم عليها لما عندهم من أمراض القلوب: ﴿وإن يقولوا﴾ أي يوجد منهم قول في وقت من الأوقات ﴿تسمع لقولهم﴾ أي لأنه يكون بحيث يلذذ السمع ويروق الفكر لما فيه من الادهان مع الفصاحة فهو يأخذ بمجامع القلب.
ولما أخبر عن ظاهرهم، دل على أن ذلك الظاهر أمر لا حقيقة له، وأنهم لما وطنوا أنفسهم على الوقاحة وخلعوا لباس الحياء بالكذب


الصفحة التالية
Icon