لما لا يكون إلا به فقالوا: ﴿لا نريد منكم﴾ أي لأجل ذلك ﴿جزاء﴾ أي لنا من أعراض الدنيا ﴿ولا شكوراً *﴾ بشيء من قول ولا فعل، وكأنه اختير هذا المصدر المزيد كالدخول والخروج والقعود إيماءً إلى أن المنفي ما يتكلف له، وأما مثل المحبة والدعاء فلا، ولو أرادوا شيئاً من ذلك لما كان لله، وروي في سبب نزول هذه الآية: «أن علياً وابنيه وأمهما فاطمة رضي الله عنهم أجمعين آثروا على أنفسهم ثلاثة أيام، وأصبحوا الرابع يرتعشون، فلما رآهم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ساءه ذلك، فأتاه جبريل عليه الصلاة والسلام بهذه السورة مهنئاً له بها» ولا يستبعد الصبر على الجوع هذه المدة لأنه ربما كانت للنفس هيئة قوية من استغراق في محبة الله تعالى أو غير ذلك، فهبطت إلى البدن فشغلت الطبيعة عن تحليل الأجزاء فلا يحصل الجوع كما أنا نشاهد الإنسان يبقى في المرض الحاد مدة من غير تناول شيء من غذاء ولا يتأثر بدنه لذلك، فلا بدع أن تقف الأفعال الطبيعية في حق بعض السالكين وهو أحد القولين في قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني».
ولما كانت الأنفس مجبولة على حب الجزاء والثناء، فكان لا يكاد يصدق أحد أن أحداً يفعل ما لا يقصد به شيئاً من ذلك، وكان


الصفحة التالية
Icon