نظر إلى العبد أصلاً كان كمن قال: هو يقطع البطيخة بتحامل يده أو قصبة ملساء من غير سكين، والذي يقول: إنه باشر بقدرته المهيأة للفعل بخلق الله لها وتحريكها في ذلك الفعل كان كمن قال: إن السكين قطعت بالتحامل عليها، بهذا أجرى سبحانه عادته في الناس، ولو شاء غير ذلك فعل، ولا يخفى أن هذا هو الحق الذي لا مرية فيه، ثم علل ذلك بإحاطته بمشيئتهم قائلاً: ﴿إن الله﴾ أي المحيط علماً وقدرة ﴿كان﴾ أي أزلاً وأبداً ﴿عليماً حكيماً *﴾ أي بالغ العلم والحكمة، فهو يمنع منعاً محكماً من أن يشاء غيره ما لم يأذن فيه، فمن علم في جبلته خيراً أعانه عليه، ومن علم منه الشر ساقه إليه وحمله عليه، وهو معنى ﴿يدخل من يشاء﴾ أي من علمه أهلاً للسعادة، ليس بظالم ﴿في رحمته﴾ بحكمته فييسر له اتخاذ السبيل الموصل إليه بأن يوفقه للعدل، ويعد له ثواباً جسيماً.
ولما بشر أهل العدل بالفعل المضارع المؤذن بالاستمرار، ولم يجعله ماضياً لئلا يتعنت متعنت ممن هو متلبس بالضلال فيقول: أنا لا أصلح لأنه ما أدخلني، عطف عليه ما لأضدادهم في جملة فعلية بناها على الماضي إعلاماً بأن عذابهم موجود قد فرغ منه فقال: ﴿والظالمين﴾ أي وأهان العريقين في وصف المشي على غير سنن مرضى كالماشي في الظلام فهو يدخلهم في نقمته وقد ﴿أعد لهم﴾