هو مثل انكشاف الناس عن العشار وتفرقهم عنها، فمن اعتقد زوالها أعرض عن ربط همته بشيء منها وناط أموره كلها بربها.
ولما زالت الموانع ظهرت عجائب الصنائع التي هي غايات المطالب، ونهايات الرغائب والرهائب، فقال: ﴿وإذا الجحيم﴾ أي النار الشديدة التأجج والتي بعضها فوق بعض والعظيمة في مهواة عميقة ﴿سعرت *﴾ أي أوقدت إيقاداً شديداً بأيسر أمر وقربت من الكافرين بغاية السرعة، فكان الأمر في غاية العسر، وذلك قريب من نتيجة ما يحصل من الهول من حشر الوحوش.
ولما ذكر دار الأعداء البعداء ترهيباً، أتبعه دار المقربين السعداء ترغيباً، فقال: ﴿وإذا الجنة﴾ أي البستان ذو الأشجار الملتفة والرياض المعجبة ﴿أزلفت *﴾ أي قربت من المؤمنين ونعمت ببرد العيش وطيب المستقر، ودرجت درجاتها وهيئت، وملئت حياضها ومصانعها، وزينت صحافها ونظفت أرضها وطهرت عن كل ما يشين، وحسنت رياضها بكل ما يزين، من قول أهل اللغة، الزلف - محركة: القربة والدرجة والحياض الممتلئة والزلفة: المصنعة الممتلئة والصحفة والأرض المنكوسة، والزلف - بالكسر. الروضة، ومعنى هذا ضد سجر البحار، فالآية من الاحتباك: ذكر التسعير أولاً دال على ضده في الجنة ثانياً،