حقائق العرفان المعلية إلى أوج الإيمان بالواحد الديان ﴿والله﴾ أي والحال أن الملك المحيط بكل شيء قدرة وعلماً ﴿أعلم﴾ أي منهم أنفسهم ﴿بما يوعون *﴾ أي يضعون في أوعية صدورهم من الكفر والعداوة بسبب الشهوات الشاغلة لهم وهي حب الرئاسة وادعاء الألوهية الشاغلة لهم عن التدبر لهذا القرآن وعن شواهد الموجودات.
ولما كان هذا موجباً لشديد الإنذار، وضع موضعه تهكماً بهم وإعلاماً بأن الغضب قد بلغ منتهاه قوله: ﴿فبشرهم﴾ أي أخبرهم يا أفضل الخلق وأكملهم وأعدلهم خبراً يغير إبشارهم ﴿بعذاب أليم *﴾ أي شديد الألم لشدة إيلامه، إن كان لهم يوماً من الأيام بشارة فهي هذه.
ولما أخبر عنهم بهذا الهوان، وكان قد عبر عنهم بأدنى الأسنان إشارة إلى أن منهم من يقبل الإيمان، استثنى منهم فقال: ﴿إلا الذين آمنوا﴾ أي أقروا بالإيمان ﴿وعملوا﴾ دلالة على صدق إيمانهم ﴿الصالحات﴾.
ولما تقدم أن من حوسب عذب، وأن الناجي إنما يكون حسابه عرضاً، علم أنه ليس للأعمال دخل في الحقيقة في الأجر، وإنما المدار كما قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على التغمد بالرحمة حتى في تسمية النعيم أجراً،