ولأدنى من يدخلها فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، فكيف بما له صلىلله عليه وسلم، فقال مؤكداً لذلك كما أكد الأول بالقسم بما لهم فيه من الإنكار: ﴿وللآخرة﴾ أي التي هي المقصود من الوجود بالذات لأنها باقية خالصة عن شوائب الكدر أو الحالة المتأخرة لك ليفهم منه أنه لا يزال في ترق من عليّ إلى أعلى منه وكامل إلى أكمل منه دائماً أبداً لا إلى نهاية ﴿خير﴾ وقيد بقوله: ﴿لك﴾ لأنه ليس كل أحد كذلك ﴿من الأولى *﴾ أي الدنيا الفانية التي لا سرور فيها خالص كما أن النهار الذي هو بعد الليل خير منه وأشرف ولا سيما الضحى منه، وقد أفهم ذلك أن الناس على أربعة أقسام: منهم من له الخير في الدارين وهم أهل الطاعة الأغنياء، ومنهم من له الشر فيهما وهم الكفرة الفقراء، ومنهم من له صورة خير في الدنيا وشر الآخرة وهم الكفرة الأغنياء، ومنهم من له صورة شر في الدنيا وخير في الآخرة وهم المؤمنون الفقراء، قد قال:
الناس في الدنيا على أربع... والنفس في فكرتهم حائره
فواحد دنياه مقبوضة... إن له من بعدها آخره
وواحد دنياه مبسوطة... ليس له من بعدها آخره
وواحد قد حاز حظيهما... سعيد في الدنيا وفي الآخره