من ذلك بالنكس ﴿أسفل سافلين *﴾ أي إلى ما تحت رتبة الجمادات المستقذرات، فصار يعمل الأعمال السيئات المقتضية بعد حسن الجمع لغاية الشتات، أما رده في خلقه فبأن سلطنا عليه الشهوات التي ركبناها في النفوس، وجعلناها داعية إلى كل بؤس، فغلبت على عقله فأعمته حتى أوردته الموارد، وأوقعته في المهاوي والمعاطب، حتى أنه ليركب كثيراً من أموره وهو قاطع بأنه باطل شنيع، لا يقدم على مثله عاقل، فصار يعبد من دون الله ما هو دون البشر بل ومطلق الحيوان مما لا ضر فيه ولا نفع، وصار يركب الظلم والعدوان والإفك والبهتان، وما لا يحصى بالعد من أنواع الفواحش والعصيان، ويظلم أبناء جنسه وغيرهم، ويجتهد في الفجور، ويتصرف بما لا يشك هو في أنه لا يقره عليه من له أدنى نظر ممن يلزمه أمره ويعنيه شأنه، فصار بذلك أحط رتبة من البهائم بل من أدنى الحشرات المستقذرات لأنها وإن كانت لها شهوات إلا أنها ليس لها عقل تغطيه بها وتطمس نوره بظلامها، فلا تنسب إلى أنها فوّتت شيئاً لعدم تكليفها لعدم العقل الموجب للشرف، وأما هو فاستعمل ما خلقناه له من الآلات، وما فضلناه به من الكمالات،


الصفحة التالية
Icon