والنصفة والإحسان، وجميع مكارم الأخلاق ومعالي الأمور، ولم يزيغوا عن منهاج الرسل في قول ولا عمل، فالآية كما ترى من الاحتباك: حذف أولاً بما أفهمته الآية عمل السيئات، وثانياً الإبقاء على أصل الخلق في أحسن تقويم على الفطرة الأولى، ليكون نظمها في الأصل ﴿ثم رددناه أسفل سافلين﴾ بعمل السيئات فله على ذلك عذاب مهين ﴿إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات﴾ فإنا أبقيناهم على الفطرة الأولى في أحسن تقويم.
ولما كان السياق لمدح المؤمنين، حسن أن يعد أعمالهم التي تفضل عليهم بها سبباً كما منّ عليهم به من الثواب فقال: ﴿فلهم﴾ أي فتسبب عن ذلك أن كان لهم في الدارين على ما وفقوا له مما يرضيه سبحانه وتعالى ﴿أجر﴾ أي عظيم جداً وهو مع ذلك ﴿غير ممنون *﴾ أي مقطوع أو يمن عليهم به حتى في حالة المرض والهرم لكونهم سعوا في مرضاة الله سبحانه وتعالى وعزموا عزماً صادقاً أنهم لا ينقصون من أعمال البر ذرة ولو عاشوا مدى الدهر، وذلك الأجر جزاء لأعمالهم فضلاً منه بالأصل والفرع حتى أنهم إذا عجزوا بالهرم كتب لهم أجر ما كانوا يعملون في حال الصحة، ولمن تابع هواه في السفول عذاب عظيم لأنه رد أسفل سافلين.