أنهم أشكر الناس للإحسان وأبعدهم عن الكفران ﴿رب هذا البيت *﴾ أي الموجد له والمحسن إلى أهله بتربيتهم به وبحفظه من كل طاغ، وتأثيره لأجل حرمته في كل باغ، وبإذلال الجبابرة له ليكمل إحسانه إليهم وعطفه عليهم بإكمال إعزازه لهم في الدنيا والآخرة وجعل ما داموا عابدين له موصولاً بعز الآخرة، فتتم النعمة وتكمل الرحمة، والمراد به الكعبة، عبر عنها بالإشارة تعظيماً إشارة إلى أن ما تقدم في السورة الماضية من المدافعة عنهم معروف أنه بسببه لا يحتاج إلى تصريح، وأن ذلك جعله متصوراً في كل ذهن حاضراً مشاهداً لكل مخاطب، وفي هذا التلويح من التعظيم ما ليس للتصريح، ثم وصف نفسه الأقدس بما هو ثمرة الرحلتين ومظهر لزيادة شرف البيت فقال تعالى: ﴿الذي أطعمهم﴾ أي قريشاً بحمل الميرة إلى مكة بالرحلتين آمنين من أن يهاجوا، وبإهلاك الذين أرادوا إخراب البيت الذي به نظامهم، إطعاماً مبتدئاً ﴿من جوع *﴾ أي عظيم فيه غيرهم من العرب، أو كانوا هم فيه قبل ذلك لأن بلدهم مهيأ لذلك لأنه ليس بذي زرع، فهم عرضة للفقر الذي ينشأ عنه الجوع، فكفاهم ذلك وحده ولم يشركه أحد في كفايتهم، فليس من الشكر إشراكهم في عبادته ولا من البر بأبيهم إبراهيم عليه الصلاة والسلام