ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله} [الأنعام: ١١١] ولو أنهم بعد عذاب الآخرة ومعاينة العذاب والبعث وعظيم تلك الأهوال وسؤالهم الرجوع إلى الدنيا وقولهم: ﴿ربنا فارجعنا نعمل صالحاً غير الذي كنا نعمل﴾ [السجدة: ١٢] فلو أجيبوا إلى هذا ورجعوا لعادوا إلى حالهم الأول ﴿ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه﴾ [الأنعام: ١٢٨] تصديقاً لكلمة الله وإحكاماً لسابق قدره ﴿أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذ من في النار﴾ [الزمر: ١٩] فقال لهم: ﴿لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد﴾ إلى آخرها، فبان أمر الفريقين وارتفع الإشكال، واستمر كل على طريقه ﴿فلا تذهب نفسك عليهم حسرات﴾ [فاطر: ٨] ﴿إن عليك إلا البلاغ﴾ [الشورى: ٤٨] فتأمل موقع هذه السورة وأنها الخاتمة لما قصد في الكتاب يلح لك وجه تأخيرها - والله أعلم - انتهى.
ولما كان القصد إعلامهم بالبراءة منهم من كل وجه، وأنه لا يبالي بهم بوجه لأنه محفوظ منهم، قال مؤذناً بصدق خبره تعالى آخر الكوثر من حيث إنه مع الجزم بالمنابذة لا يستطيعون له نوع مكابدة نافذة، بادئاً بالبراءة من جهته لأنها الأهم: ﴿لا أعبد﴾ أي الآن ولا في مستقبل الزمان لأن ﴿لا﴾ للمستقبل و ﴿ما﴾ للحال، كذا قالوا، وظاهر عبارة سيبويه في قوله: ﴿لن﴾ نفي لقوله ﴿سيفعل﴾ ﴿ولا﴾ لقوله: ﴿يفعل﴾، ولم يقع:


الصفحة التالية
Icon