أي شخصاً لا كفاية له ﴿ذا متربة *﴾ أي حاجة مقعدة له على التراب، لا يقدر على سواه، فالآية من الاحتباك: ذكر القرب أولاً يدل على ضده ثانياً، وذكر المتربة ثانياً يدل على ضدها أولاً، وسر ذلك أنه ذكر في اليتيم القرب المعطف، وفي المسكين الوصف المرقق الملطف، فهو لا يقصد بإطعامه إلا سد فاقته، ودخل فيه اليتيم البعيد والفقير من باب الأولى وإن كان أجنبياً.
ولما كانت هذه الأفعال خيراً في نفسها تدل على جودة الطبع وعلو الهمة وكرم العنصر وإباء النفس إشارة إلى شدة حسنها لأنه لا يوفق لها إلا مخلص وإن كان غير مستند إلى شرع وإلى ما يفيده من سلالة الطبع وسهولة الانقياد وإلى عظمة الإيمان بالتعبير بأداة التراخي في قوله مشيراً إلى العقبة الثانية وهي الحكمة المزكية للقوة النطقية: ﴿ثم كان﴾ أي بعد التخلق بهذه الأخلاق الزاكية العالية النفيسة الغالية في حال كفره أو مبادىء إسلامه للدلالة على صفار جبلته وجودة عنصره من الراسخين في الإيمان المعبر عنه بقوله: ﴿من الذين آمنوا﴾ أي عند ما دعاه إليه الهادي، ولم تحمله حمية الأنف وشماخة النفس