وشمول قدرته في الآفاق علويها وسفليها، والأنفس سعيدها وشقيها وبدأ بالعالم العلوي، فأفاد ذلك قطعاً العلم بأنه الفاعل المختار، وعلى العلم بوجوب ذاته وكمال صفاته، وذلك أقصى درجات القوى النظرية، تذكيراً بعظائم آلائه، ليحمل على الاستغراق في شكر نعمائه، الذي هو منتهى كمالات القوى العملية، مع أن أول المقسم به مذكر بما ختم به آخر تلك من النار: ﴿والشمس﴾ أي الجامعة بين النفع والضر بالنور والحر، كما أن العقول كذلك لا أنور منها إذا نارت، ولا أظلم منها إذا بارت ﴿وضحاها *﴾ أي وضوئها الناشىء عن جرمها العظيم الشأن البديع التكوين المذكر بالنيران إذا أشرقت وقام سلطانها كإشراق أنوار العقول، والضحى - بالضم والقصر: صدر النهار حين ارتفاعه، وبالفتح والمد: شدة الحر بعد امتداد النهار، وشيء ضاح - إذا ظهر للشمس والحر.
ولما افتتح بذكر آية النهار، أتبعه ذكر آية الليل فقال: ﴿والقمر﴾ أي المكتسب من نورها كما أن أنوار النفوس من أنوار العقول ﴿إذا تلاها *﴾ أي تبعها في الاستدارة والنور بما دل على أن نوره من نورها من القرب الماحق لنوره والبعد المكتسب له في مقدار ما يقابلها من جرمه، ولا يزال يكثر إلى أن تتم المقابلة فيتم النور ليلة الإبدار


الصفحة التالية
Icon