أما انبهامه فلوقوف العلم به على تعريف الله سبحانه وتعالى من غير واسطة من وسائط النفس من فكر ولا استدلال، وليتدرب المخاطب بتوقفه على المبهم على توقفه عن مفصله ومبهمه، وهو جامع الحروف المنزلة في أوائل السور التسع والعشرين من سوره وبه افتتح الترتيب في القرآن، ليتلقى الخلق بادي أمر الله بالعجز والوقوف والاستسلام إلى أن يمن الله سبحانه وتعالى بعلمه بفتح من لدنه، ولذلك لم يكن في تنزيله في هذه الرتبة ريب لمن علمه الله سبحانه وتعالى كنهه من حيث لم يكن للنفس مدخل في علمه، وذلك قوله سبحانه وتعالى: ﴿آلم ذلك الكتاب لا ريب فيه﴾ [البقرة: ١، ٢] لمن علمه الله إياه ﴿هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب﴾ [البقرة: ٢، ٣] وقوفاً عن محاولة علم ما ليس في وسع الخلق علمه، حتى تلحقه العنايه من ربه فعلمه ما لم يكن في علمه؛ وأما الرتبة الثانية فمتشابه الخطاب المفصل المشتمل على إخبار الله عن نفسه وتنزيلات أمره، ورتب إقامات خلقه بإبداع كلمته وتصيير حكمته وباطن ملكوته وعزيز جبروته وأحوال أيامه؛ وأول ذلك في ترتيب القرآن إخباره عن استوائه في قوله:
﴿ثم استوى إلى السماء﴾ [البقرة: ٢٩]


الصفحة التالية
Icon