فالملوك مملوكون بما ملكوا، وأعزاء الله ممكنون فيما إليه وجهوا، لا يصدهم عن تكملة أمر الدين وإصلاح أمر الآخرة صادّ، ولا يردهم عنه راد لخروجهم من سجن الملك إلى سعة العز بعزة الله سبحان وتعالى، فقارض الله أهل بيت نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورضي عنهم، ولم يرضه للملك بعز الإمامة ورفعة الولاية والاستيلاء على محاب القلوب فاسترعاهم الله قلوب العالمين بما استرعى الملوك بعض حواس المستخدمين والمستتبعين، والذل مقابل ذلك العزة، فإذا كان ذلك العز عزاً دينياً ربانياً عوضاً عن سلب الملك كان هذا الذل - والله تعالى أعلم - ذل أهل الدنيا في دنياهم الذي ألزمهم سبحانه وتعالى إياه بما أذلتهم أنفسهم، فاستعملتهم في شواتها وأذلهم أتباعهم فتوسلوا بهم إلى قضاء أغراضهم في أهوائهم، ويستذلهم من يظلمونه بما ينتصفون منهم، وينالهم من ذل تضييع الدين، ويبدو على وجوههم من ظلمة الظلم ما يشهد ذلهم فيه أبصار العارفين - انتهى.
ولعل نصارى نجران أشد قصداً بهذا الخطاب، فإنهم خافوا أن ينزع منه ملوك الروم ما خولوهم فيه من الدنيا إن أخبروا بما يعلمون من أمر هذا النبي


الصفحة التالية
Icon