السلام لتهيئها لخطاب كل منهم كما مضى ﴿يا مريم إن الله﴾ أي الذي له الأمر كله ﴿اصطفاك﴾ أي اختارك في نفسك، لا بالنظر إلى شيء آخر عما يشين بعض من هو في نفسه خيار ﴿وطهرك﴾ أي عن كل دنس ﴿واصطفاك﴾ أي اصطفاء خاصاً ﴿على نساء العالمين *﴾ فمن هذا الاصطفاء والله سبحانه وتعالى أعلم كما قال الحرالي: أن خلصت من الاصطفاء الأول العبراني إلى اصطفاء على عربي حتى أنكحت من محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النبي العربي؛ قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لخديجة رضي الله عنها: «أما شعرت أن الله سبحانه وتعالى زوجني معك مريم بنت عمران» - انتهى.
ولما أخبرها سبحانه وتعالى بما اختصها به أمرها بالشكر فقال: ﴿يا مريم اقنتي﴾ أي أخلصي أفعالك للعبادة ﴿لربك﴾ الذي عودك الإحسان بأن رباك هذه التربية.
ولما قدم الإخلاص الذي هو روح العبادة أتبعه أشرفها فقال: ﴿واسجدي﴾ فإن أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد. قال الحرالي: وكان من اختصاص هذا الاصطفاء العلي - أي الثاني - ما اختصها من الخطاب بالركوع الذي لحقت به بهذه الأمة الراكعة التي أطلعها الله سبحانه وتعالى من سر عظمته التي هي إزاره