بين في هذه السورة بقوله - عطفاً على ما تقديره جواباً لمن كأنه قال: كيف كان ذلك؟ - إنشاء تلك النفس، أو تكون الجملة حالية - ﴿وخلق منها زوجها﴾ أي مثله في ذلك أيضاً كمثل حواء: أمه فإنها أنثى تولدت من ذكر بلا واسطة أنثى فصار مثله كمثل كل من أبيه وأمه: آدم وحواء معاً عليهما الصلاة والسلام، وصار الإعلام بخلق آدم وزوجه وعيسى عليهم الصلاة والسلام - المندرج تحت آية بعضكم من بعض مع آية البث التي بعد هذه - حاصراً للقسمة الرباعية العقلية التي لا مزيد عليها، وهي بشر لا من ذكر ولا أنثى، بشر منهما، بشر من ذكر فقط، بشر من أنثى فقط؛ ولذلك عبر في هذه السورة بالخلق، وعبر عن غيرها بالجعل، لخلو السياق عن هذا الغرض، ويؤيد هذا أنه قال تعالى في أمر يحيى عليه الصلاة والسلام
﴿كذلك الله يفعل ما يشاء﴾ [آل عمران: ٤٠] وفي أمر عيسى عليه الصلاة والسلام ﴿يخلق ما يشاء﴾ [آل عمران: ٤٧]، وأيضاً فالسياق هنا للترهيب الموجب للتقوى، فكان بالخلق الذي هو أعظم في إظهار الاقتداء - لأنه اختراع الأسباب وترتيب المسببات عليها - أحق من الجعل الذي هو ترتيب المسببات على أسبابها وإن لم يكن اختراع - فسبحان العزيز العليم العظيم الحكيم!.
ولما ذكر تعالى الإنشاء عبر بلفظ الرب الذي هو من التربية، ولما


الصفحة التالية
Icon