ولما كان اختصاصهم بالإرث عن النساء والأطفال من الفوز عندهم، بل لم يكن الفوز العظيم عندهم إلا الاحتواء على الأموال وبلوغ ما في البال منها من الآمال قال تعالى معظماً بأداة البعد: ﴿وذلك﴾ أي الأمر العالي المرتبة من الطاعة المندوب إليها ﴿الفوز العظيم *﴾ أي لا غيره من الاحتواء على ما لم يأذن به الله، وهذا أنسب شيء لتقديم الترغيب لتسمح نفوسهم بترك ما كانوا فيه مع ما فيه من التلطف بهذه الأمة والتبشير له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأنها مطيعة راشدة.
ولما أشربت القلوب الصافية ذوات الهمم العالية حب نيل هذا الفوز أتبعه الترهيب فطماً لها عن تلك الفوائد بالكلية فقال: ﴿ومن يعص الله﴾ أي الذي له العظمة كلها ﴿ورسوله﴾ أي في ذلك وغيره ﴿ويتعد حدوده﴾ أي التي حدها في هذه الأحكام وغيرها، وأفرد العاصي في النيران في قوله: ﴿يدخله ناراً خالداً فيها﴾ لأن الانفراد المقتضي للوحشة من العذاب والهوان، ولما كان منعهم للنساء والأطفال من الإرث استهانة بهم ختم الآية بقوله: ﴿وله عذاب مهين *﴾.
ولما تقدم سبحانه في الإيصاء بالنساء، وكان الإحسان في الدنيا تارة يكون بالثواب، وتارة يكون بالزجر والعتاب، لأن مدار الشرائع على العدل والإنصاف، والاحتراز في كل باب عن طرفي الإفراط


الصفحة التالية
Icon