دونه ﴿فقد افترى﴾ أي تعمد كذباً ﴿إثماً عظيماً *﴾ أي ظاهراً في نفسه من جهة عظمه أنه قد ملأ أقطار نفسه وقلبه وروحه وبدنه مظهراً للغير أنه إثم، فهو في نفسه منادٍ بأنه باطل مصر، فلم يدع للصلح موضعاً، فلم تقتض الحكمة العفو عنه، لأنه قادح في الملك، وإنما طوى مقدمة الضلال وذكر مقدمة الافتراء - لكون السياق لأهل الكتاب الذين ضلالهم على علم منهم وتعمد وعناد، بخلاف ما يأتي عن العرب، وفي التعبير بالمضارع استكفاف مع استعطاف واستجلاب في استرهاب.
ولما كان في ذلك إشارة إلى أن المرادين بهذه الآيات من أهل الكتاب أضل الناس، وكانوا يقولون: إنهم أهدى الناس؛ عجب منهم منكراً عليهم بعد افترائهم تزكية أنفسهم فقال: ﴿ألم تر﴾ وأبعدهم بقوله: ﴿إلى الذين يزكون أنفسهم﴾ أي بما ليس لهم من قولهم ﴿لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة﴾ [البقرة: ٨٠] وقولهم ﴿لن يدخل الجنة لا من كان هوداً أو نصارى﴾ [البقرة: ١١١] وقوله: ﴿ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا﴾ [آل عمران: ١٨٨] ﴿ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلاً عظيماً﴾ [النساء: ٢٧] فإن إبعاد غيرهم


الصفحة التالية
Icon