ولما أفهم ذلك أن إباءهم لقبول حكمه والاعتراف بالذنب لديه سبب مانع لهم من الإيمان، قال - مؤكداً للكلام غاية التأكيد بالقسم المؤكد لإثبات مضمونه و «لا» النافية لنقيضه: ﴿فلا وربك﴾ أي المحسن إليك ﴿لا يؤمنون﴾ أي يوجدون هذا الوصف ويجددونه ﴿حتى يحكموك﴾ أي يجعلوك حكماً ﴿فيما شجر﴾ أي اختلط واختلف ﴿بينهم﴾ من كلام بعضهم لبعض للتنازع حتى كانوا كأغصان الشجر في التداخل والتضايق.
ولما كان الإذعان للحكم بما يخالف الهوى في غاية الشدة على النفس أشار إليه بأداة التراخي فقال: ﴿ثم لا يجدوا في نفسهم حرجاً﴾ أي نوعاً من الضيق ﴿مما قضيت﴾ أي عليهم به، وأكد إسلامهم لأنفسهم بصيغة التفعيل فقال: ﴿ويسلموا﴾ أي يوقعوا التسليم البليغ لكل ما هو لهم من أنفسهم وغيرها لله ورسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خالصاً عن شوب كره؛ ثم زاده تأكيداً بقوله: ﴿تسليماً *﴾ وفي الصحيح أن الآية نزلت في الزبير وخصم له من الأنصار، فلا التفات إلى من قال: إنه حاطب رضي الله عنه.
ولما كان التقدير: فقد كتبنا عليهم طاعتك والتسيم لك في هذه الحنيفية السمحة التي دعوتهم إليها وحملتهم عليها، عطف عليه قوله: ﴿ولو أنا كتبنا عليهم﴾ أي هذا المخاصم للزبير رضي الله تعالى عنه