لتعمدهم الكذب على من هو محيط بهم ولا تخفى عليه خافية ﴿الظالمون *﴾ أي المتناهو الظلم بالمشي على خلاف الدليل فعل من يمشي في الظلام، فهو لا يضع شيئاً في موضعه، وذلك بتعرضهم إلى أن يهتكهم التام العلم ويعذبهم الشامل القدرة.
ولما اتضح كذبهم وافتضح تدليسهم - لأنه لما استدل عليهم بكتابهم فلم يأتوا به صار ظاهراً كالشمس، لا شك فيه ولا لبس، ولم يزدهم ذلك إلا تمادياً في الكذب - أمر سبحانه وتعالى نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقوله: ﴿قل﴾ أي لأهل الكتاب الذي أنكروا النسخ فأقمت عليهم الحجة من كتابهم ﴿صدق الله﴾ أي الملك الأعظم الذي له الكمال كله في جميع ما أخبر، وتخبر به عن ملة إبراهيم وغيره من بنيه أسلافكم، وتبين أنه ليس على دينكم هو ولا أحد ممن قبل موسى عليه الصلاة والسلام، لأنكم لو كنتم صادقين لأتيتم بالتوراة، نافياً بذلك أن يكون تأخرهم عن الإتيان بها لعلة يعتلون بها غير ذلك، وإذ قد تبين صدقه تعالى في جميع ما قال وجب اتباعه في كل ما يأمر به، وأعظمه ملة إبراهيم فإنها الجامعة للمحاسن.
ولما ثبت ذلك بهذا الدليل المحكم لزم قطعاً أنه ما كان يهودياً