فلم يستغرق زمان توليهم زمان البعد، أدخل الجار لذلك فقال: ﴿من بعد ذلك﴾ أي الأمر العالي وهو الحكم الذي يعلمون أنه حكم الله، فلم يبق تحكيمهم لك من غير إيمان بك إلا تلاعباً.
ولما كان التقدير: فما أولئك بالمريدين للحق في ترافعهم إليك، عطف عليه قوله: ﴿وما أولئك﴾ أي البعداء من الله ﴿بالمؤمنين *﴾ أي العريقين في صفة الإيمان بكتابهم ولا بغيره مما يستحق الإيمان به، لأنهم لو كانوا عريقين في ذلك آمنوا بك لأن كتابهم دعا إليك.
ولما تضمن هذا مدح التوراة، صرح به فقال تأكيداً لذمهم في الإعراض عما دعت إليه من أصل وفرع، وتحذيراً من مثل حالهم: ﴿إنا أنزلنا﴾ أي على ما لنا من العظمة ﴿التوراة﴾ ثم استأنف قوله معظماً لها: ﴿فيها هدى﴾ أي كلام يهدي بما يدعو إليه إلى طريق الجنة ﴿ونور﴾ أي بيان لا يدع لبساً، ثم استأنف المدح للعاملين بها فقل: ﴿يحكم بها النبيون﴾ ووصفهم بأعلى الصفات وذلك الغنى المحض، فقال مادحاً لا مقيداً: ﴿الذين أسلموا﴾ أي أعطوا قيادهم لربهم سبحانه حتى لم يبق لهم اختيار أصلاً، وفيه تعريض بأن اليهود بعداء من الإسلام وإلا لاتبعوا أنبياءهم فيه، فكانوا يؤمنون بكل من قام الدليل على نبوته.
ولما كان من المعلوم أن حكمهم بأمر الله لهم باتباع التوراة ومراعاتها، عُلِم أن التقدير: بما استحفظوا من كتاب الله، فحذف لدلالة ما يأتي عليه


الصفحة التالية
Icon