كما سيأتي قريباً في حديث أبي هريرة، يعني - والله أعلم - أن شرائعهم وإن اختلفت في الفروع فهي متفقة في الأصل وهو التوحيد، ومن كان منهم قد أظهر الإيمان فالمراد بالنبي في إظهار زيغه وميله وحيفه محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لأنه نهى عن موالاة المشركين، بل عن متاركتهم، ولم يرض إلا بمقارعتهم ومعاركتهم.
ولما أفهمت الشرطية عدم إيمانهم، استثنى منها منبهاً بوضع الفسق موضع عدم الإيمان على أنه الحامل عليه فقال: ﴿ولكن كثيراً منهم فاسقون﴾ أي متمكنون في خلق المروق من دوائر الطاعات.
ولما دل كالشمس ميلهُم إلى المشركين دون المؤمنين على أنهم في غاية العداوة لهم، صرح تعالى بذلك على طريق الاستنتاج، فقال دالاً على رسوخهم في الفسق: ﴿* لتجدن أشد الناس﴾ أي كلهم ﴿عداوة للذين آمنوا﴾ أي أظهروا الإقرار بالإيمان فكيف بالراسخين فيه ﴿اليهود﴾ قدمهم لأنهم أشد الفريقين لأنه لا أقبح من ضال على علم ﴿والذين أشركوا﴾ لما جمعهم من الاستهانة بالأنبياء هؤلاء جهلاً وأولئك عناداً وبغياً، فعرف أن من صدق في إيمانه لا يواليهم بقلبه ولا بلسانه، وأنهم ما اجتمعوا على الموالاة إلا لاجتماعهم في أشدّية العداوة لمن