بيا أيها الذين آمنوا - كما صدر أول السورة به، وقد مضى بيان جميع ما مضى في الوفاء بالعقود، فكان كأنه تعالى قال: أوفوا بالعقود، فلا تتهاونوا بها فتنقضوها، ولا تبالغوا فيها فتكونوا معتدين فتضعفوا، فإنه لن يشاد الدين أحد إلا غلبه، بل سددوا وقاربوا، والقصد القصد تبلغوا، وقال ابن الزبير بعد قوله: ﴿ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم﴾ [المائدة: ١٤] ثم فصل للمؤمنين أفعال الفريقين - أي اليهود والنصارى - ليتبين لهم فيما نقضوا، ثم بين تفاوتهم في البعد عن الاستجابة فقال تعالى: ﴿لتجدن أشد الناس عداوة﴾ [المائدة: ٨٢]. ثم نصح عباده وبين لهم أبواباً منها دخول الامتحان، وهي سبب في كل الابتلاء، فقال: ﴿لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا﴾ [المائدة: ٨٧] فإنكم إن فعلتم ذلك كنتم شارعين لأنفسكم وظالمين - انتهى. و ﴿ما أحل﴾ شامل لكل ما كانوا أرادوا أن يتورعوا عنه من المآكل والملابس والمناكح والنوم وغير ذلك.
ولما كان الحال لما ألزموا به أنفسهم مقتضياً للتأكيد، أمر بالأكل بعد أن نهى عن الترك ليجتمع على إباحة ذلك الأمر والنهيُ فقال: ﴿وكلوا﴾ ورغبهم فيه بقوله: ﴿مما رزقكم الله﴾ أي الملك الأعظم الذي لا يرد عطاؤه.
ولما كان الرزق يقع على الحرام، قيده بعد القيد بالتبعيض بقوله: ﴿حلالاً﴾ ولما كان سبحانه قد جعل الرزق شهياً، وصفه


الصفحة التالية
Icon